وزارة الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة: “إِنَّ مِن الشَّجرِ شجَرةً لا يسقُطُ ورقُهَا”
أعلنت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة الموافق 22 أغسطس 2025 م، والذي يصادف 28 صفر 1447 هـ، تحت عنوان: “إِنَّ مِن الشَّجرِ شجَرةً لا يسقُطُ ورقُهَا”. وأوضحت الوزارة أن الهدف من هذه الخطبة هو نشر التوعية بطرق تنمية الفكر العام والنقدي خاصة.
نص الخطبة الاسترشادية
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذى الطول، لا إله إلا هو إليه المصير. نحمدك اللهم حمد الشاكرين، ونسألك الهدى والرضا والعفاف والغنى. نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، النبى المصطفى الذى أرسله الله تعالى رحمة للعالمين. اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن سيرة الجناب المعظم صلوات ربى وسلامه عليه منهج رشد يقتدى، ونبراس نور يهتدى. فلقد كان صلى الله عليه وسلم معلما للأفهام، مربيا للأنام، فتح الباب أمام عقول أصحابه للاجتهاد والتفكير المبدع؛ لتتحول إلى معارج رحبة للإبداع والارتقاء.
أرأيتم كيف استخدم الجناب الأنور صلى الله عليه وسلم أسلوب جلسات العصف الذهني؛ ليخرج العقل منها أكثر إبداعا، وأحد تفكيرا، وأعمق تحليلا، وأشد تمييزا للحق من الباطل؟ لا يسلم لما هو سائد، وهذا هو جوهر التفكير النقدى. فقد قال صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه الكرام رضى الله عنهم: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثونى ما هي؟» فوقع الناس فى شجر البوادى المتناثر، ووقع فى نفس عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنها النخلة ذات الثمر، فقالوا: حدثنا ما هى يا رسول الله؟ قال: «هى النخلة». لتكون الإجابة مقرونة بهذا التشبيه العظيم الذى يبرز المسلم الحق فى صورة النخلة فى دوام نفعه واجتهاد سعيه، فلا يتوقف خيره ولا يسقط ورقه، بل يبقى شامخا مثمرا راسخا على الحق والإيمان والاستقامة.
النبى يشجع الإبداع والتفكير النقدى
تأملوا كيف شجع النبى صلى الله عليه وسلم الإبداع والتفكير النقدى. فقد أرسل صلى الله عليه وسلم معاذا رضى الله عنه إلى اليمن، فسأله: «بم تحكم؟ فقال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيى ولا آلو». ففرح النبى صلوات ربى وسلامه عليه بذلك أيما فرح، وقال: «الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله»، إنها فرحة عظيمة حين رأى نبى العلم والفكر أحد أصحابه وهو يبدع فى شرح طريقة التفكير القويم والنظر العليم.
التفكير يعيد الإنسان إلى رشده
أن التفكير يعيد الإنسان إلى رشده، ويرده عن غيه. تأملوا كيف تعامل الجناب المعظم بلغة الحوار الهادئ والتفكير المتزن مع شاب طغت الشهوة على عقله فمنعته التفكير. فقد قال له النبى صلى الله عليه وسلم: «أتحبه لأمك؟ أتحبه لابنتك؟ أتحبه لأختك؟» وهو يقول فى كل واحدة: لا، جعلنى الله فداك، وهو صلى الله عليه وسلم يقول: «كذلك الناس لا يحبونه»، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: «اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه»، فعاد الشاب إلى رشده.
تعليم الأبناء التفكير المنضبط
أيها الكرام، اغرسوا فى نفوس أولادكم أن لغة الحوار الهادئ، والتفكير المنضبط، والدعوة الصادقة، تنتج خطاب الرحمة الذى يبنى الإنسان، ويصنع الحضارة. علموهم أن ديننا الحنيف دين فكر ومعرفة ونقد وتحليل. أن الشخصية الواعية إنما تنمو إذا سقيت بماء العلم والهداية، لا الجهالة والضلالة. اجعلوهم يقرأون هذه الآيات بروح جديدة ونفوس واعية {أفلا تتفكرون}، {أفلا يتفكرون}، {أفلا تعقلون}، {أفلا يعقلون}، {أفلا يتدبرون}.
حفظ النفس أمانة عظيمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
يا عباد الله، أن أرواحنا أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة، عبر عنها البيان الإلهى فى قوله سبحانه: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا أن الله يحب المحسنين}. هذه الآية ليست مجرد وصية، بل هى نداء كونى، يتردد صداه فى أعماق كل نفس، يهمس فى شغاف القلوب بأن حفظ النفس جوهر البقاء، وركيزة البناء. إنها دعوة لأن نكون أمناء على هذا الجسد، وأن نحفظه من كل ما يؤدى إلى إتلافه أو تعريضه للهلاك، سواء أكان ذلك بطريق الانتحار نتيجة الاكتئاب، أو الفشل، أو ضغوط الحياة، أم كان عن طريق القيادة المتهورة التى تزهق الأرواح على الطرقات.
لا ضرر ولا ضرار
رسم لنا الجناب المعظم صلى الله عليه وسلم خارطة طريق واضحة، بنور كلماته التى لا تخبو، حين قال: «لا ضرر ولا ضرار». هذه القاعدة الذهبية فلسفة حياة متكاملة، تضع حدا لكل ما يمكن أن يشوب نقاء الروح، أو يهلك الجسد، أو يفسد العقل من مخاطر محدقة، إلى سموم خفية تتسلل إلى صحتنا الجسدية والنفسية، مرورا بالإهمال الذى يفتك بمواهبنا وقدراتنا. فحفظ النفس يعنى أن نكون يقظين، معتنين بصحتنا، وعقولنا، وأرواحنا.
فلنجعل أيها الكرام من حياتنا مشروعا خالدا بجمال الصون والعناية والاهتمام، ولنتعاهد أرواحنا بالصفاء، وأجسادنا بالصحة، وعقولنا بالنور، لنكن قصة نجاح ملهمة يتحدث عنها العالم، فنحظى برضا خالقنا وسعادة دنيانا وآخرتنا.
اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، وابسط فيها بساط الرزق الوفير والبركة العظيمة.