تلقّت دار الإفتاء المصرية استفتاءً من أحد الأفراد في بيروت، يتساءل فيه عن حكم شرعي متعلق بمدى جواز قيام الأطباء بتشريح جثة ميت، أو أخذ عضو منها مثل القلب أو الكبد أو المعدة أو السلسلة الظهرية، بهدف البحث العلمي لمعرفة سبب الوفاة أو المرض، واستخدام النتائج في اكتشاف أدوية لعلاج المرضى الأحياء.
رد دار الإفتاء
أكدت دار الإفتاء أن تشريح جثة إنسان بعد وفاته لأغراض علمية أو لأخذ عضو منها جائز شرعًا، بشرط أن تكون هناك ضرورة شرعية ومصلحة عامة، مع ضرورة الالتزام بالضوابط الشرعية والإجراءات الطبية المنظمة، واختيار أطباء موثوقين لضمان عدم التلاعب بجسد الإنسان وحفظه من الامتهان.
وأوضحت الدار أن نصوص الشريعة الإسلامية وقواعدها تهدف إلى تحقيق مصالح البشر والمحافظة على صحتهم من الأمراض والآفات، مستشهدة بقاعدة “الضرورات تبيح المحظورات”، والتي تسمح بموجبها بارتكاب ضرر أقل لدفع ضرر أكبر. كما أشارت إلى أن الشريعة تجيز أكل الميتة عند الاضطرار لإنقاذ النفس، مما يعكس مرونتها في تحقيق المصلحة العامة.
واستندت دار الإفتاء إلى أصول الفقه، التي تنص على أن كل ما يتوقف عليه تحقيق ضرورة من الضروريات الخمس، ومنها حفظ النفس، يعتبر ضروريًا ويجب العمل به. كما أشارت إلى أن الفقهاء أجازوا في حالات خاصة ارتكاب ضرر خاص لدفع ضرر عام، مثل جواز نقض حائط مائل يهدد الطريق العام حتى لو رفض مالكه ذلك.
وأضافت الدار أن تشريح الجثة أو أخذ عضو منها يكون جائزًا، بل قد يصبح واجبًا في حالات الضرورة، مثل البحث العلمي لتحقيق الصحة العامة أو التحقيق في حوادث الجنايات للحفاظ على الأمن العام. وذكرت أن هذا يتوافق مع أغراض الشريعة الإسلامية، التي تهدف إلى ارتكاب الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد.
كما استشهدت دار الإفتاء بما ورد في الحديث النبوي عن كسر عظم الميت، موضحة أن الحديث لا ينطبق على الحالات التي يكون فيها التشريح أو أخذ العضو لأغراض علمية أو طبية تحقق مصلحة عامة. وأكدت أن تقدم العلوم الطبية في العصر الحديث يجعل من بعض الإجراءات الطبية، مثل شق البطن لإنقاذ حياة إنسان، أمرًا مقبولًا بل وواجبًا في بعض الحالات.
واختتمت دار الإفتاء ردها بالقول إن الله سبحانه وتعالى أعلم بكل شيء، مؤكدة على أهمية مراعاة الضوابط الشرعية في كل الإجراءات الطبية والعلمية.